تعرف الحكاية الشعبيّة بأنها عمل أدبي يتم نقلها من جيل إلى جيل شفهياً وبذلكً فإنّه يتغير نتيجة هذا التناقل وهذا سبب تغير الحكاية من جيل إلى آخر، كنتيجة طبيعية لهذا التناقل الشفوي الدائم.
كما توصف الحكاية الشعبيّة بأنها إلقاء أحداث قد تكون واقعية أو خيالية و تكون نثرًا أو شعرًا يراعى فيها جذب اهتمام المستمعين والقارئين .
كما تتميز بأنها نصّ لا نعرف مؤلفه، ويتم إيصاله شفوياً، كما تستند لوقائع حدثت بالفعل واكتسبت نوعاً من البطولة أو تكون خيالية.
وتختزن الحكايات الشعبية ذاكرة الشعوب وتكثف خلاصات تجارب المجموعات السكانية ومصادر حكمتها، ورغم أن هذه المتون الشفهية تُركت لتواجه احتمالات النسيان والتلاشي، فهناك وعي يتنامى للحفاظ على هذه الكنوز الثقافية اللامادية.
وتعد الحكاية الشعبية الموريتانية خزانا للعادات والتقاليد والقيم، وهي عبارة عن أرشيف يتضمن طرق عيش الأسلاف والتفاعل مع المحيط الطبيعي كالحيوانات والأشجار والماء ومع الظواهر الكونية كما تخبر عن نوعية العلاقات بين الأشخاص (الذكور والإناث، والكبار والصغار وبين الفئات الاجتماعية)، وعن أنواع المأكولات والألبسة والأثاث ومساكن مختلف الفئات الاجتماعية، بالإضافة إلى أنها تهذب الصغار وتجيب عن تساؤلاتهم الوجودية.
ويتنوع المتن الحكائي الموريتاني من حيث المواضيع والأهداف والمتلقون، حيث تتجاور الحكايات العجائبية والحيوانية والدينية، وهو متنوع من حيث اللغة المستعملة، فبالإضافة إلى اللهجة الحسانية نجد البولارية والسوننكية والولفية ، وكلها تزخر بتنويعات تبرز الخصوصيات الجهوية والمحلية ومن ثم فإن الحكاية تتيح الاختلاف والتنوع وتحفظ الذاكرات المحلية التي يشكل مجموعها الذاكرة الوطنية.
ويعد الليل وقتا مناسبا لسرد الحكاية إما لتسلية الأطفال حتى يناموا أو للتسامر بين الكبار بما تتطلبه الحكاية الحسانية من مهارة السرد والتمثل والتشخيص الصوتي والدقة في توصيل المغزى... و نجد الراوي إما شيخا (شيباني) أو عجوزاً (كهلة) لقدرتهما على السرد وحفظ متون الروايات معتمدين في ذلك على اللهجة.
ويتجسد حضور بطل الرواية في الخيمة، في حيوانات لا تنفصل عن بيئة الصحراء (غزلان، أفاعي، ضباع، ذئاب) كما قد يكون حيوانات خيالية أوحت بها بيئة الصحراء (نيروبوكرة، شرتات).
ومن أكثر الحيوانات حضورا في الحكاية الشعبية (شرتات) الذي تذهب أغلب الروايات الشفوية أنه كان بشريا يعيش في الصحراء متنقلا بين أطرافها، كما يتخذه البعض كناية على بعض الحيوانات كالذئب في خداعه، والأسد في تجبره، فيما تشير روايات أخرى إلى انه مسخ بين الإنسان والحيوان يصيب من يراه بالذهول.
ومن بين الحكايات الشعبية المشهورة قصة صحبة الكلب للانسان
كان الكلب يبحث عن صديق فوجد الضبع واستقر معه فلما جاء الليل ونبح الكلب نهره الضبع قائلا له اسكت، قال مم تخاف قال أخاف من النمر، فذهب إلى النمر واتفقا على الصحبة، فلما جاء الليل ونبح الكلب نهره النمر وطلب منه أن يسكت، قال له الكلب مم تخشى قال أخشى من الأسد، فذهب الكلب أيضا إلى الأسد واتفق معه على الصحبة، فلما جاء الظلام نبح الكلب فنهره الأسد وقال له اسكت، قال مم تخاف قال أخاف من الإنسان، فغادر الكلب متجها إلى الإنسان واتفق معه على صحبته وبقي حتى إذا جاء الليل نبح الكلب فلما نبح قال له الإنسان (وش له) (أي حثه على الزيادة في الإقدام) وحينئذ قال الكلب أنت صاحبي ولن أفترق معك.
البنت والأسد:
يحكى أن حيا سكن قرب عرين أسد، وذهبت مجموعة من فتيات الحي يحتطبن فمررن قرب العرين وتقفي الأسد أثرهن وإذا بإحداهن غاية الجمال والملاحة فعدا عليها وأخذها معه وأسكنها في عرينه، ولما يئس منها أهلها ولم يعودوا يسألون عنها صار الأسد يتركها حتى تنام ويذهب للصيد، واعتاد علي هذا حتى أنسته الفتاة وحل زمن صوحت فيه الأزمنة ورحلت الأحياء ولم يعد الأسد قادرا علي الرجوع من صيده إلا بعد ليلة ونهار. وبينما الفتاة الجميلة تتلهي قرب العرين إذ رأت غنما ترعي حولها فعرفت راعيها وذهبت معه إلي أهلها.
عاد الأسد فإذا الفتاة قد هربت فاشتم أثرها وتبعه إلي خيمة أهلها وأراد أن يستعيدها فإذاهم يحيطون بها وهي تحدثهم بأن الأسد وحش كبير متين قبيح المنظر فخاطبها قائلا:
يا بغيتي ومرامي
لا تفحشي في الملام
فالجرح يشفي ويبقي
نزيف جرح الكلام
وأخذها الناس مثلا، و لم يزل الأسد يراقب الفتاة عن بعد ويتحين الفرص حتى انتهز يوم رحيل أهلها فاختطفها علي حين غفلة منهم وأعادها إلي مغارته".
(نقلا عن كتاب موسوعة الحكايات والأساطير الشعبية الموريتانية)
كما تأتي الحكاية الشعبية أحيانا في صيغة مثل شعبي ، من قبيل :
أُوداعتْ الرّيّ للْمِشْ: يضرب للخيانة المزمنه و للشخص لا يؤتمن عليه.
أرْزَحْ منْ ثور ينسلَخْ: يضرب للكسل.
أَرَوّغْ امنْ اَوَيتالْ: أي ثور اجبيدْ ، و هو قريب من الأول.
أَرْبَ منْ حَلْمَه: يضرب لشدة البطء في السير.
أرْبَطْ منْ تاسِلْغَه: التاسلغه هي الربطه من حديد للإناء.
أَراگنْ النّيرَبْ: أراگنْ : الهودج، و هو جسم هش لا ساق له ولا ورق، ينبت في فصل الخريف، و هو غاية في الضعف.
أرْكَبْ منْ حق الوالدينْ: يضرب للواجب الذي لا يسقط بأي حال.
أَرَدّْ امنْ ارْهِينَه: يضرب للعجز لأن "الرهينه" "الهازل"، تعجز عن القيام، و تحاول القيام المرة تلو المره، و يضرب لكثير الكلام ، وهو من الإشتراك اللفظي.
أَرَگّْ منْ تَقْيَ فَآدرارْ: أَرگْ هنا بمعنى التفاهة، إمّا لأن آدرار يصدرها أو لا يستهلكها.
أَزَلّْمْ الْوادْ: يزعمون أن الأصوات الكثيره التي يصدرها أَزَلَّمْ في بطون الأودية الخصبه هي زغردة فرحا بنزول المطر، يضرب للفراغ.
إِيزَيَّنْهالَكْ الّ ما بنفعكْ فيها: يضرب للذي يدفع بالشخص إلى الأمر الخطر، و لا يهمه ما بعد ذلك.
أسَحْفَ امْنْ اِباكْرِنْ افْلِخريفْ: يضرب للفراغ الشديد.
إِسَگَّمْ عوجاتْ الودْيانْ: يضرب لمن يعمل في فراغ او يعمل عملا لا يرجع بفائده.
أَسَمّْ منْ كيشكاش: يضرب لقوة الضرر.
أَسْرَ من لحْنوشَ: يضرب لكثرة السرى ليلا.
اشْربْ ذَ ولَّ نَرِشْمكْ: يضرب للقمع و عدم المشوره.
أَشْردْ امنْ اغزالْ: يضرب للنفور الشديد.
أشْربْ منْ فلحْ: الفلح في الأرض معروف بابتلاعه للماء، يضرب لكثرة استهلاك الماء.
شاف ازراگُ ما ظاگُ: يضرب للذي يرى بريق الأشياء ولا يستطيع الوصول إلى نفعها.
إيشوفْ رگبتْ خيمتكْ الْ ما شافْ رگبتْ امراحكْ: يضرب للحث على حسن المظهر.
اِيشوفْ الباسكْ الْ ما يعرف باش متْعَشِّ: تماما كسابقه.
ايشوف الشيباني الْمتْكِ الْ ما شاف آفگراش الْواگفْ: يضرب لأهمية نظر المسنين و الشيوخ، و أن الشيخ على ضعف جسمه أبصر من الشاب القوي.
أَشْبَهْ تِلْفِيتَ منْ ما گِلْتْ: يضرب للتحذير من النظر إلى عيوب الناس، و إن كان و لا بد فالتفت قبل الكلام، لئلا تقع في الشرك و تضطر للإنكار.