يعتبر فن المديح الشعبي في موريتانيا موروثا مهما، ومكونا أصيلا في الثقافة الوطنية، يميزها عن غيرها.
ويقوم هذا الموروث الشعبي المفعم بالرمزية الدينية، والمشحون بمحبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، على مجموعة من الخصوصيات تميزه فن المديح في البلدان الإسلامية الأخري.
أبرز هذه الخصائص بحسب الباحثين هو غياب التدوين، هذا الفن لا يزال ثقافة شفاهية يتوارثها المداحون ويتناقلونها من جيل إلى جيل.
كما يتميز هذا الفن ببعده التعليمي حيث شكل وسيلة للتعليم الديني، وترسيخ القيم الإسلامية في أوساط مريدي هذا الفن وجمهوره فيتعلمون من خلاله أحكام دينهم، وسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم بفعل نصوصه التي يحفظونها أبا عن جد.
وبهذه الميزة يختلف المديح الموريتاني عن الإنشاد الديني في الثقافة العربية المشرقية، إذ أن الأخير عبارة عن ابتهالات، بينما يكاد المديح الشعبي يشكل موسوعة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
ويرتبط هذا الموروث الشعبي في المخيال الشعبي الموريتاني بالسيرة النبوية، والغزوات والفتوحات الإسلامية، حيث وثقت نصوصه كل تفاصيل حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ مولده، وأرّخت للمحطات التي مرت بها الدعوة منذ البعثة.
ويتميز فن المديح الشعبي الموريتاني أيضا بأنه يؤدَّى بطريقة جماعية، دون التزام بأي مقامات غنائية، وفي غياب الآلات الموسيقية الوترية، واكتفاء بآلة الطبل التقليدية، كما أن نصوصه تتكون من ملاحم تسمى بالعامية "الكَرْزَة" .
ويتقرب المداحون خلال ممارستهم لهذا الفن إلى الله بالصلاة على رسوله عليه السلام، والتغني بشمائله، ومعرفة سيرته العطرة، والترضي على صحابته بمجرد شروعهم في المديح، حيث يشعرون بطمأنينة نفس ورغبة في الاستمرار، وينسون أي أمر غير التعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم.