يختص هذا البحث بناحية من تاريخ حركة المرابطِين، وفيه يحاول الباحث تأكيد مسألتين:
الأولى: أهمية الدافع الديني في هجوم فريق من المرابطِين على غانا وإسقاطها؛ حيث كان هذا الدافع هو المحرِّك الأساس لهم في مسيرتهم صوب السودان.
الثانية: أن تفسير ابن خلدون للهجوم لا يعني أن هذا المؤرخ يوجِّه اتهامًا لهؤلاء المرابطين بالعدوان والطَّمَعِ المادّي في غانا.
قبائل البربر وإمبراطورية غانا قبل حركة المرابطين:
تشير المصادر إلى أنه منذ أواخر القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) كان البربر من وقت لآخر يُنشؤون فيما بينهم ما يشبه الحِلْف، حيث تنضوي مجموعة من القبائل تحت لواء واحد، تكون السيطرة فيه للقبيلة الأقوى، إلا أنَّ هذه الأحلاف لا تلبث أن تؤول إلى الزوال نتيجة عودة القبائل المتحالفة إلى حالة التفكُّكِ والتناحُرِ فيما بَيْنَهَا[1].
وخلال القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) بدأ الإسلام ينتشر ويقوى بين قبائل البربر في الصحراء، وأخذت القبائل ذات النفوذ، خاصة في "صنهاجة ولمتونة وجدالة" في توظيف التحالف؛ لتشكيل جبهة تقوم من خلالها بِمُمارسة الجهاد ضد الوثنيين في الجهات الموالية لهم من بلاد غانا، ونتيجة لذلك؛ كانت قبائل البربر بين فترة وأخرى تفرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من الصحراء وبلاد السودان[2].
وفي بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) تَشكَّل أحدُ هذه الأحلاف القوية، وكانت الرئاسة فيه لقبيلة "لمتونة"؛ حيث نصَّب البربر عليهم "تين يروتان" اللمتونى مَلِكًا[3]، وقد بَلَغ هذا المَلكُ من خلال الحلف مِن السلطان والنفوذ مَبلغًا عظيمًا، إذ وصفتْه المصادر بأنه كان يسيرُ في بعض حملاته في مائة ألف جمل، وأن سلطانه كان يمتد مسيرةَ شهرين في مثلها. وكان جزء مِن هذه المنطقة داخل بلاد السودان حيث خضع له أكثرُ مِن عشرين حاكمًا مِن حُكَّامها وأدَّوْا له الجزية[4].
ويسعفنا ابن حَوْقَل (ت 367 هـ / 1977م) بشيء من التفصيل عن الحِلْف في النص التالي، والذي نقله عن شاهد عيان: "وكان مَلك "صنهاجة" يلي أمْرهم منذ عشرين سنة، وأنه لا يزال في كل سنة يَرِد عليه قوم منهم زائرين له، لم يعرفهم ولا سمع بهم ولا مَقَلهم، قال[5]: ويكونون نحو ثلاثمائة ألف بيت من بين نوالة وخص"[6].
وبعد انحلال هذا الحلف نتيجة الخلاف بين قبائل صنهاجة دبت الفُرْقة بينها من جديد، ودام ذلك عدة عقود إلى أن قامت قبيلة لمتونة مرة أخرى في النصف الأول من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) بلمِّ شمْل القبائل تحت زعامة أحد رجالاتها الأمير محمد بن تيفاوت المعروف "بتارشتا". وقد مَثَّل ذلك آخرَ تجمُّع لقبائل صنهاجة قبل قيام حركة المرابطين[7].
لم يستمر هذا التجمع طويلاً؛ إذ يُفهم من المصادر أنه لم يَعُد له كبير فعالية بعد استشهاد "تارشتا"؛ حيث انحصر الأمر في لمتونة وجدالة. ويبدو أنه لما اختير الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي ليخلف "تارشتا" في زعامة صنهاجة انصرف الاهتمام إلى ما يمكن أن نسميه بالأوضاع الداخلية لهذه القبائل، فقد ذهب هذا الأمير في رحلة طويلة إلى الحج دامت حوالي ثلاث سنوات، واصطحب معه فيها نخبةً مِن رؤساء العشائر مِن قومه. وأثناء وجوده في بلاد المغرب تردد على مجالس العِلم، الأمر الذي دعاه إلى إعادة النظر في أحوال قومه الدينية والاجتماعية المتردية[8]، كما سيشار إليه في فِقْرات تالية.
ويبدو أنه كان لتفكُّكِ هذا الحِلْف الأخير أثرُه في إضعاف موقف قبائل البربر في منطقة جنوب الصحراء، الذي أثَّر بالتالي على ميزان القوى بين هذه القبائل وإمبراطورية غانا؛ مما شجَّعَ هذه الأخيرةَ للإسراع في بَسْط نفوذها على مدينة أودغست[9] في أواخر العَقد الثالث من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) [10].
وبالرَّغْمِ مِمَّا اتَّسَمَتْ به الرواياتُ التي تحدثتْ عن تَجَمُّعات البَرْبَرِ من مبالغة، كَتِلْكَ التي وصفت جيش "تين يروتان" والمناطق التي شملها نُفُوذُه، إلا أنَّنا نَجِدُ فيها ما يُظهر مدى القوة التي بلغتْها قبائلُ البَرْبَرِ في تلك الفترات. وممَّا يؤيد ذلك أن إمبراطورية غانا مع عِظمها لم تستطع الصمود أمام هَجَمَاتِ القَبَائِلِ المُتَحالِفَةِ على أقاليمها الشماليَّة، وَقَدِ اضْطُرَّ كثيرٌ من حُكَّام هذه الأقاليم إلى دَفْعِ الجِزْيَةِ إلى "تين يروتان". ليس ذلك فَحَسْب بل إن هذا الملك لم يتردد في التدخل في نزاع بين إقليمين من أقاليم غانا وهما "أوغام" و"ماسين" حيث قام بمساعدة حاكم هذا الإقليم الأخير ضد أوغام وذلك بإمداده بعدد كبير من الجمال[11]. أما "تارشتا" زعيم صنهاجة في الحلف الأخير، فقد كان من الشجاعة والحماس لنشر الإسلام في بلاد السودان إلى درجة أنه استُشهد في إحدى المعارك التي خاضها ضد الوثنيين على أرض إمبراطورية غانا في موضع يقال له "فنفار" وذلك بعد ثلاث سنوات من قيام الحلف[12].
ومما يدل أيضًا على قوة قبائل البربر في تلك الفترات أن إمبراطورية غانا لم تجرؤ على القيام بأية محاولة لمدِّ نفوذها على مدينة أودغست، المركز التجاري المهم على حدودها الشمالية، إلا بعد أن تراجعت سطوة هذه القبائل إثر تفكُّك حلفهم الأخير، كما سبقت الإشارة إليه. أما قبل ذلك فقد اتخذ البربر مدينةَ أودغست مركزَ تجمع لهم مؤكدين بذلك سيطرتهم عليها[13].
ولما كانت إمبراطورية غانا مضطرَّةً للتعامل مع أودغست وذلك لحاجتها الماسة للمِلْح القادم منَ الشمال عن طريق هذا المركز؛ فإن إمبراطور غانا وكثيرًا مِن حكام أقاليمها كانوا يَخْطُبونَ وُدَّ مَلِكِ البَرْبَرِ في أودغست فَيُرْسِلونَ إِلَيْهِ في بعض المناسبات الهدايا الثمينة[14].
المرابطون:
ولكنَّ الذي يلاحظ أنَّ الجهادَ الذي قام به البَرْبَرُ في بلاد غانا مِنْ خِلالِ أَحْلافِهِمْ تِلْكَ لم يُؤتِ نتائجَ حاسمة ولم يتمخَّضْ عنه تغيير جذْري في وضع المنطقة. وقد يعود ذلك إلى الوضع الهشّ لكيان تلك الأحلاف؛ إذ كانت لا تدوم طويلاً، كما سَبَقَتِ الإِشارَةُ إليه، فكانت عُرضةً لأَيِّ خلاف بين القبائل يؤدّي إلى انهيارها. وكان لطبيعة فَهْم هذه القبائل للإسلام في تلك الفترات أثرٌ في ضَعْفِ تحالُفِها، فلم يكن أفراد تلك القبائل يفهمون الإسلام الفَهْم الكافيَ حتَّى إنَّ بَعْضَ الكُتَّاب وصفهم بأنَّهم قبل قيام حركة المرابطين لم يكونوا يفهمون من الإسلام إلا الشهادتين[15]. ومما يؤيد ذلك أنَّ الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي أثناء حضوره بعض مجالس العلم في بلاد المغرب أدرك ما كان عليه قومه من جهل لتعاليم الإسلام، ولمَّا سأله الفقيه أبو عمران الفاسي عن حالة قومه وما ينتحلونه من مذهب في الإسلام كانت إجابته صريحة؛ حيث وصف قومه بأنهم أناسٌ غَلَبَ عليهم الجهل وليس عندهم من العلم عن الإسلام شيءٌ، وليس فيهم مَن يقرأ القرآن[16]. فكان لذلك بلا شك آثاره السلبية على تحالفاتهم وبالتالي على جهادهم في السودان.
والمصادر تُجمِع على أن الأمير يحيى بن إبراهيم من هذا المنطلق رأى أنه لابد من البَدْء بإصلاح حالة قومه الدينية، فتقدم بطلب المساعدة مِن الفقهاء في بلاد المغرب وكانت النتيجة أنه رجع إلى قومه في الصحراء سنة 440هـ (1048م)، ومعه الفقيه عبدالله بن ياسين[17].
وعلى يد هذا الفقيه وأيدي الأمراء مِن صنهاجة قامت حركة المرابطين في بضع سنين وهي الحركة التي ترتَّب على جهاد فريق مِن أتباعها في منطقة جنوب الصحراء انهيارُ إمبراطورية غانا الوثنية، هذا الانهيار الذي يُعَدُّ في الحقيقة أهمَّ حَدثٍ في تاريخ المنطقة منذ بدأ البربر صراعهم مع الإمبراطورية؛ لما ترتب عليه من تحوُّلٍ للسلطة فيها إلى الإسلام وما أعقبه من تدعيم الإسلام في المنطقة حتى إن بعض الكُتَّاب رأى أن لسنة 469هـ (1076م) - وهو تاريخ سقوط غانا الوثنية على أيدي المرابطين - من الأهمية بالنسبة للسودان الغربي ما لسنة 1066م (459هـ) من الأهمية بالنسبة لإنجلترا، وهي السنة التي فتح فيها النورمان هذا البلد[18].
المرابطون في المغرب والمرابطون في الصحراء:
ليس من اختصاص هذا البحث التفصيلُ في كيفية قيام حركة المرابطين، إلا أنه لابد لنا هنا من الإشارة بإيجاز شديد إلى تطور أهم الأحداث في عهد الأمير أبي بكر بن عمر، فبعد وفاة عبدالله بن ياسين إمام المرابطين سنة 451هـ (1059م) تولَّى هذا الأمير جميع المهام في قيادة المرابطين جامِعًا بذلك بين الإمامة والإمارة. ومع مرور الوقت أصبح ابن عمه يوسف بن تاشفين ساعِدَهُ الأيمن[19].
ولما ترامت إلى مسامع الأمير أبي بكر بن عمر أخبارُ النزاع بين قبائل البربر في الصحراء سار مِن تَوِّه بجُزْءٍ مِنَ الجَيْشِ إلى الصحراء، وهناك استطاع أن يحسم الخلاف وأن يقطع دابر الفتنة. وقد أخذ منه إنجازُ هَذِهِ المهمة بعضَ الوقت. وعندما عاد إلى المغرب وجد يوسف بن تاشفين قد رتَّب شؤون الدولة واستقرت له الأوضاع، فتنازل الأميرُ أبو بكر بن عمر لابن عمه عن السلطة في المغرب في أول لقاء بينهما، وقرر أن يعود مع فريق من المرابطين في الصحراء وحَمَلَ لواء الجهاد في بلاد السودان[20].
وَقَبْلَ البَدْء في الحديث عن أهداف الهجوم على غانا نرى من الضَّرُورِيِّ الإشارةُ إلى ناحية مُهِمَّةٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الفَرِيقَ من المرابطين الذي عاد إلى الصحراء وحَمَلَ لِواءَ الجهاد ضِدَّ غانا، وَالمُرابطين الذين بَقُوا في المغرب، ظَلُّوا معًا طيلة أيام أبي بكر بن عمر ويوسف بن تاشفين، يمثلون حركة المرابطين التي نشأت في الصحراء، في مبادئها وجهادها بدون تغيير. وما يذكره بعضهم منِ انقسامٍ في حركة المرابطين واستقلال فريق بالمغرب وبقاء فريق آخر في الصحراء[21] لا يعطي الصورة الحقيقة لواقع المرابطين عندما تولى يوسف بن تاشفين الأمور بالمغرب وانصرف أبو بكر بن عمر ليدير شؤون الحركة في الصحراء والسودان[22]، إذ إن ذلك لم يؤدِّ إلى انفصال الفريقين عن بعضهما أو انقطاع الاتصال بينهما، فابن عذارى، على سبيل المثال، في حديثه عن مراسيم وداع يوسف بن تاشفين لأبي بكر، قال ما نصه: ".. فدعا له الأمير يوسف وشكر وقال له: لَكَ عليَّ ألا أقطع أمرًا دونك، ولا أستأثر إن شاء الله، بشيء عليك"[23]. وقُبيل تحرك أبي بكر بن عمر من مدينة "أغمات" متجهًا إلى الصحراء أرسل إليه يوسف بهدية عظيمة فسُرَّ بها أبو بكر وقال: "خَيْرٌ كثيرٌ، وَلَمْ يَخْرُجِ المُلْك من بَيْنِنا ولا زال عَنْ أيدينا"[24]. ويذكر ابن عذارى أيضًا أن يوسف بن تاشفين ظل يُمِد أبا بكر بن عمر بالتحف والهدايا حتى تُوفي هذا الأخير في جهاده ضد السودان[25]. كما أن يوسف بن تاشفين بدأ ضرب دينار الذهب المرابطي في سنة 464هـ (1071م) باسم أبي بكر بن عمر[26] وقد استمر ظهور اسمه على الدينار المرابطي حتى وفاته سنة 480هـ (1087م)[27].
فما حصل من تقسيم لم يكن إذًا في كيان المرابطين بصفتهم حركة أو دولة، وإنما كان في الإدارة، خاصة وقد عَظُمت الدولة وأصبح أمامَها أرجاءٌ واسعة تتطلب جهادًا وفتحًا وبالتالي إدارة فتَوَجَّبَ لذلك أن يكون للمغرب جندُها وإدارتُها وللصحراء جندُها وإدارتُها[28]؛ ليعمل كُلُّ فريقٍ في جِهَتِهِ ويحقق تطلُّعاتِ المرابطين وأهدافَهم من الجهاد.
أهداف الهجوم على غانا:
إن من الواضح أن المصارد لم تعط اهتمامًا يُذْكر لجهاد المرابطين في السودان؛[29] لذا فليس من المتوقع أن يوجد فيها حديثٌ مفصَّل عن هذا الهدف أو ذاك من زحف أبي بكر بن عمر ومَن معه مِن المرابطين على غانا. ولهذا السبب، وأخْذًا في الحسبان باستمرارية حركة المرابطين ممثَّلةً في فريقَيْها كلٌّ في منطقته، كما تبيَّن في الأسطر السابقة، فإنه لابد لنا من الاتجاه إلى جوانب من تاريخ هذه الحركة، والمبادئ التي قامت عليها، وتطور جهاد أفرادها في الصحراء والمغرب، لكي نتلمس ونحدد الهدف من هجوم هذا الفريق من المرابطين على غانا، فقد جاء ضمن هذه الجوانب من الدَّلالات ما يكفي للقول بأن الهدف كان لإزاحة السلطة الوثنية وإبدال سلطة إسلامية بها؛[30] تدعيمًا وتعميقًا لوجود الإسلام الذي وصل إلى المنطقة عن طريق التجار المسلمين وصار له أتباعٌ في غانا منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)[31].
وإنَّ من هذه الدَّلالات الإشارةَ إلى ما كان للظروف الدينية والاجتماعية التي كانت سائدة في بلاد المغرب والصحراء مِن أثر في قيام حركة المرابطين، فالبكري أورد تفصيلات عن موجة التنبؤ والشعوذة التي عمَّت جزءًا كبيرًا من بلاد المغرب الأقصى في الفترة التي قامت فيها حركة المرابطين[32]، وقد عبَّر ابن أبي دينار عن هذه الحالة السيئة بقوله: "وقام بالمغرب عدة أقوام مِن المفسدين وقليل من المصلحين، فقيَّض الله سبحانه وتعالى دولة الملثَّمين البربر ويقال لهم المرابطين .." [33].
ونجد فيما أورده ابن أبي زرع عن "درعة وسجلماسة" مثالاً للحالة التي وصلت إليها بعضُ المناطق في المغرب، فقد أشار إلى اتصال أهالي هاتين المدينتين بالمرابطين؛ طلبًا للخلاص مما تعانيه بلادهم من المنكرات وشدة العَسْف والجَوْر"[34]. وشبَّه ابن عذارى حالة الفوضى التي كانت تعيشها بلاد المغرب في تلك الفترة بالحالة التي كان عليها ملوك الطوائف بالأندلس[35]. أمَّا القبائل في الصحراء فإنها لم تكن تعرف من الإسلام في تلك الفترة إلا الشهادتين كما سبقت الإشارة إليه.
ومن هذه الدَّلالات أيضًا ما حظيت به الحركة وقادتها من ثناء بالغ في المصادر، وربط ذلك بما قدمه أولئك القادةُ من جهود لردِّ الناس إلى السُّنَّة، وقمْع الفِرَق والفئات المنحرفة في المغرب، وحمل لواء الجهاد في الصحراء والسودان، فعبدالله بن ياسين، قائد الحركة والمؤسس الأول لها، أصيب على أرض المعركة وتُوفي أثناء الجهاد في بلاد المغرب،[36] ويحيى بن عمر، الذي كان رجل المرابطين الثاني في حياة عبدالله بن ياسين، استُشهد أثناء الجهاد ضد الوثنيين على تخوم السودان. وأبو بكر بن عمر، الذي أصبح الرجل الأول في الحركة بعد استشهاد ابن ياسين، تُوفي هو الآخر على أرض المعركة في الجهاد ضد الوثنيين في بلاد غانا[37].
يقول البكري عن قبائل صنهاجة: "وهذه القبائل هي التي قامت بعد الأربعين والأربعمائة بدعوة الحق، وردِّ المظالم، وقطْع جميع المغارم"[38].
ويشير ابن أبي زرع إلى أنه بالرَّغم من غلبة البداوة على المرابطين إلا أنهم كانوا أهل دِين مَتِين عدَلوا في أحكامهم وواظبوا على الجهاد[39].
ويُعدِّد ابن أبي زرع أيضًا منجزاتِ عبدالله بن ياسين في "سجلماسة" بعد فتحها، فيقول: ".. وأصلح أحوالها وغيَّر ما وجد بها من المنكرات، وقَطَع المزامير وأحرق الديار[40] التي كانت تباع بها الخمر، وأزال المكوس وأسقط المغارم المخزنية"[41]، ويقول متحدثًا عن الأمير أبي بكر بن عمر: "وسار إلى الصحراء فهدنها وسكَّن أحوالها[42].
فالمصارد إذًا تعيد قيام حركة المرابطين إلى ظروف دينية واضحة المعالم في كلٍّ من المغرب والصحراء؛ دفعت بالمنشئين الأول لهذه الحركة للسعي حثيثًا للإصلاح الديني؛ فدخلوا في جهاد على نطاق واسع في هاتين المنطقتين، ففي بلاد المغرب جاهدوا فئة "البرغواطيين"[43] المنحرفة، وقضوا على الشيعة والوثنيين، ودخلوا في حرب مع اليهود هناك[44]. وفي الصحراء جاهدوا كل قبائل البربر التي وقفت ضد دعوة الإصلاح والعودة إلى الإسلام الصحيح[45]. ولما كان ذلك الجيش الذي هاجم غانا كان جزءًا من تلك الحركة؛ فليس من المستغرب أن يُنظر إلى زحفه على غانا على أنه كان بدافع ديني في المقام الأول؛ رغبةً في الجهاد في سبيل الله، خاصة إذا علِمنا أن أبا بكر بن عمر، قائد هذا الجيش، لم يأتِ من فراغ ولم يكن رجلاً مغمورًا، بل كان أحد قادة الجهاد في المغرب والصحراء، فهو الذي قدَّمه عبدالله بن ياسين، مؤسس الحركة للإمارة على المرابطين، وأثنى عليه في إحدى المناسبات، فذكر زهده وورعه وما أصلح الله على يديه من البلاد[*].
وقد تناقلت المصادر مواقفَ عظيمة للأمير أبي بكر بن عمر، أبرزُها تنازلُه عن السلطة لابن عمه يوسف بن تاشفين، الأمر الذي يؤكد صدق نياته في الجهاد، وزهده في المكاسب الدنيويَّة[46]. وقد اشتهر الأمير أبي بكر بن عمر بين السودانيين بهذه الصفات؛ فمال إليه الناس، ولا أدل على ذلك مِن أن القبائل السودانية المسلمة ثارت ثائرتها عندما قُتِل، وقامت تطالب بالأخذ بالثأر مِن قاتِله[47]. ليس ذلك فحسْب بل كان لسيرته صداها في التراث الشعبي في المنطقة؛ حيث رويت قصة تُظهر ورعه وتقواه[48].
وإن مما يدعم القول بأهمية الدافع الديني في هجوم أبي بكر بن عمر وجيشه على غانا ما ورد في المصادر من إشارات صريحة إلى عملية الجهاد. يقول ابن أبي زرع عن الأمير أبي بكر بن عمر: "وجمَع جيوشًا كثيرة، وخرج إلى غزو بلاد السودان، فجاهدهم"[49]. وفي موضع آخر يشير ابن أبي زرع إلى جهاد هذا الأمير لكفار السودان واستشهاده هناك، فيقول: "وانصرف إلى الصحراء، فأقام بها مدة يجاهد الكفرة من السودان إلى أن استُشهد - رحمه الله - في بعض غزواته"[50]. وأشار ابن عذارى أيضًا إلى وفاة أبي بكر بن عمر وهو يحارب السودان المجاورين "للمتونة" في الصحراء[51]. وذكر الزهري في حديثه عن غانا أن أهلها تحولوا إلى الإسلام، وحَسُن إسلامهم عندما خرج إليهم أبو بكر بن عمر اللمتوني[52]. وتحدث ابن خلدون عن مآثر أبي بكر بن عمر فذكر ضمن ذلك أنه فتح بابًا من جهاد السودان، واستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم[53].
وإن مما يدعمه أيضًا أن إسقاط السلطة الوثنية في إمبراطورية غانا لم يكن مجرد إنجاز محدود، أو حَدثٍ عابر، بل كان من الأهمية البالغة بمكان لما نتج عنه من آثار مهمة. والتفصيل في هذا الجانب يَخرُج عن نطاق البحث الذي بين أيدينا[54]، إلا أنه بالإمكان القولُ بإيجاز إن المرابطين بإنجازهم هذا أعطوا الإسلام في المنطقة دَفعةً قوية تركت فيها أثارًا عميقة[55]، الأمر الذي ترتب عليه حدثان هامان في تاريخ المنطقة: الأول: ازدياد انتشار الإسلام في هذه المنطقة على أيدي السودانيين أنفسهم من السوننك[56] والتكرور وغيرهم، والثاني: ظهور عدد من الممالك الإسلامية التي كان لبعضها أثرٌ واضح في تاريخ إفريقيا الغربية[57]. ولم يكن ذلك ليتحقق من مجرد أهداف عابرة ونيات غير جادة.
الأهداف الأخرى:
لقد حاولنا في الفِقْرات السابقة التأكيدَ على الجهاد على أنه هدف ديني، اندفع أبو بكر بن عمر بجيشه من أجله لتقويض السلطة الوثنية في إمبراطورية غانا إلا أن ذلك لا يعني إنكار وجود الهدف الاقتصادي لدى المرابطين، وأثره في إنجاح مهمة هذا الجيش في بلاد غانا.
لقد استلزم الهدف الاقتصادي، بطبيعة الحال، السرعة في السيطرة على الطرق والمراكز التجارية المهمة في شمال الصحراء وعلى تخوم السودان، وهذا ما فعله المرابطون، فقد اتجهوا للسيطرة على مدينتي "سجلماسة وأودغست" في السنوات الأولى من قيام الحركة حيث استولوا على "أودغست" في نفس السنة التي أخضعوا فيها مدينة "سجلماسة" وهي سنة 446هـ (1054م) [58]. وكان ذلك كله على يد عبدالله بن ياسين الزعيم الأول للحركة. وبذلك هيَّأ المرابطون لأنفسهم التحكمَ في أهم طريق تجاري ربط بلاد المغرب بالسودان الغربي في ذلك الوقت، فمدينة "أودغست" كانت تمثل النهاية الجنوبية لهذا الطريق، وبوابة "التبر" حيث يخرج منها في طريقه إلى الشمال، "وسجلماسة" كانت تمثل نهايته الشمالية والبوابة المستقبلة "للتبر" وتجارة السودان الأخرى[59].
ولعل المرابطين قصدوا من ذلك الطموح الاقتصادي تأمينَ وسائل القوة المادية والمعنوية للحركة ليتسنى لها القيام بالجهاد، وهو الهدف الأهم، من مركز قوة كافية، إذ إن من المُلاحَظ أن ما قام به المرابطون من أعمال فيما يخص الناحية الاقتصادية لم يرتبط بمكاسب إقليمية أو قَبَلِيَّة بحتة. ولا أدل على ذلك من تلك الخدمات الجليلة التي قدمها المرابطون لتجارة المنطقة بأسرها[60]، فقد قاموا بخطوات عملية مهمة في مصلحة تجارة المنطقة التي سيطروا عليها، معطين بذلك دعمًا قويًا للتبادل التجاري بين بلاد المغرب والسودان الغربي. ومن هذه الخطوات إسقاطُ كل ما يخالف السُّنَّة من مكوس وضرائبَ مالية. فقد ذكر ابن أبي زرع في حديث عن سيرة المرابطين في حُكْمهم من سنة 462هـ إلى 540هـ (1069م – 1145م) في المناطق التي امتد سلطانهم إليها، بما فيها بلاد غانا، أنه لم يكن فيها رسم مكس ولا وظيفة من الوظائف المخزنية ما عدا الزكاةَ والعشر حسب ما أقره الشرع[61]. ومنها أيضًا اهتمامهمُ بأمن الطرق وسلامة القوافل وذلك بالأخذ على أيدي قطاع الطرق واللصوص، يقول ابن أبي زرع: "ولم يكن في أيامهم نفاق[62] ولا قطاع ولا مَن يقوم عليهم"[63]. وقد أشار ابن خلدون إلى ناحية من ذلك عندما أثنى على يوسف بن تاشفين لمَا قام به من أعمال عظيمة، وخص بالذكر اهتمامَه بأمن الرعايا من جور واستبداد بعض الفئات والقبائل[64].
ومن هذه الخطوات أيضًا عَمَلُ المرابطين على تحسين عَلاقات القبائل بعضها مع بعض وذلك بحَلِّ ما بينها من خلافات ونزاعات. ويشير ابن عذارى، على سبيل المثال، إلى جهود عبدالله بن ياسين في ذلك فيذكر أن ابن ياسين عَمِل كل ما في وسعه لإخماد الفتن التي ثارت بين قبائل "المصامدة" وقبائل بلاد "تامسنا" سنة 450هـ (1058م) حيث سار من "سجلماسة" وطاف بمواطن هذه القبائل واجتمع برجالاتها ووعظهم، ولم يغادر حتى أخذ عليهم العهودَ والمواثيق بالسمع والطاعة للأمير أبي بكر بن عمر، وكان مما قاله لهم في إحدى خطبه: "ألا تعرفون أنه مَن مات منكم في هذه الحروب الجاهلية؛ فإنه مِن أهل النار"[65]. ولا ننسى أيضًا عودة أبي بكر بن عمر إلى الصحراء على عَجَلٍ عندما جاءه الخبر بأن "جدالة" أغارت على فئات مِن "لمتونة" هناك[66].
وقد كان لهذه الخطوات الأثرُ الكبير في تشجيع الناس على الإقبال على التجارة، والتوسع فيها؛ الأمر الذي ساعد في تنشيط الحركة التجارية، وانخفاض الأسعار وظهور فترة من الأمن الاقتصادي، والرخاء في المراكز التجارية التي كانت تُشرف على التجارة عبْر الصحراء[67]. وإن مما يؤكد ذلك ازديادَ رواج التبادل التجاري بين بلاد المغرب والسودان الغربي في مختلف أنواع السلع، فالإدريسي (ت 560هـ / 1165م)، على سبيل المثال، وصف أهل مدينة "أغمات" فقال: "وهم أملياء (هكذا في النص) [68] تجار مياسير يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النُّحاس الأحمر الملون، والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر، وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار، وضروب من الأفاويه والعطر وآلات الحديد المصنوع. وما منهم مِن رجل يسفر عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم المائةُ جمل والسبعون والثمانون جملاً، كلها مُوقَرَةٌ، ولم يكن في دولة الملثَّمِينَ أَحَدٌ أكثر منهم أموالاً ..." [69]. وإن مما يؤكده أيضًا ما صار يتدفق على مراكز المغرب التجارية مِن ذهبِ السودان، ومن هذه المراكز المهمة مدينةُ "سجلماسة" التي أصبحت مقر سكِّ العملة المرابطية[70].
ويصف ابن أبي زرع ما يمكن أن نسميَه بالأوضاع الاقتصادية في عهد المرابطين، فيقول هذا المؤرخ: "وكانت أيامهم (أي المرابطين) أيام دعة ورفاهية ورخاء متصل وعافية وأمن، تناهى القمح في أيامهم إلى أن بِيعَ أربعةُ أَوْسُق بنصف مثقال، والثمارُ ثمانية أَوْسُق بنصف مثقال، والقطاني[71] لا تباع ولا تشترى" إلى أن قال "وكثرت الخيرات في دولتهم وعمرت البلاد"[72]. فهذا النص، وإن كان فيه شيءٌ من المبالغة[73]، كما أشار إلى ذلك الأستاذ الجنحاني[74]، إلا أنه يُظهر بشكل واضح ما كان للمرابطين من مآثرَ وإيجابيات على الناحية الاقتصادية في المنطقة.
مما سبق يتضح أن ما تهيأ للمرابطين من مصالح اقتصادية من جرَّاء جهادهم وإصلاحاتهم في الصحراء وعلى تخوم السودان جعل أبا بكر بن عمر وجيشَه ينطلقون إلى غانا مِن مركز قوة مما يؤكد أن الناحية المادية لم تكن هي المطلب من الهجوم على تلك الإمبراطورية.
وبالرَّغم من وضوح موقف المرابطين في هذه الناحية إلا أن هناك مِن الكُتَّاب الغربيين مَن ينفي الدافع الديني من الحروب التي قام بها أبو بكر بن عمر وجيشه في بلاد غانا[75]. ومنهم مَن لا ينكر الدافع الديني إلا أنه يؤكد على السلب والنهب كهدف من أهداف هجومهم على غانا[76].
تفسير ابن خلدون للهجوم:
لقد كان ابن خلدون ضمن الكُتَّاب المسلمين الذين كتبوا عن المرابطين وعن الممالك الإسلامية في السودان بما فيها مملكة غانا. وهو يَنقُل عن مصادرَ مثل الإدريسي وابن سعيد بن أبي زرع، كما هو واضح من إشاراته لمصادره. وهذه المصادر وإن سبقت ابن خلدون في الترتيب الزمني إلا أنها جميعها ليست بالطبع مصادرَ معاصرةً لأحداث الفتح. وقد انفرد ابن خلدون مِن بَيْن هذه المصادرِ وغيرها بإيراد نص قصير يصف فيه بعض أحداث هجوم المرابطين على غانا. يقول ابن خلدون في ذلك: "ثم إن أهل غانية ضَعُف مُلكهم، وتلاشى أمرُهم واستفحل أمْر الملثَّمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلي البربر كما ذكرناه وعبَروا على السودان، واستباحوا حِماهم وبلادهم، واقتَضَوْا منهم الإتاوات والجِزَى، وحَمَلُوا كثيرًا منهم على الإسلام فدانوا به"[77].
وبصرف النظر عن قِصَر النص، وعن بُعْدِ ابن خلدون الزماني والمكاني عن الأحداث إلا أننا نرى أنَّ للنص أهميةً تجعله جديرًا بالدراسة، وذلك لسببين:
الأول: عَلاقة النص المباشرة بجهاد المرابطين في غانا، وبالتالي هدفهم من الهجوم عليها، وهو موضوع البحث الذي بين أيدينا.
الثاني: كون عبارات النص تُدِين في ظاهرها المرابطين؛ حيث تُظهِر الهجوم وكأنه مجرد عدوان على غانا، وطمع مادي فيها.
لذلك فإن المرء لا يملك إلا أن يتساءل هل قصد ابن خلدون هذا المعنى؟ وهل تحدث ابن خلدون عن المرابطين في مواضع أخرى بما يؤيد ذلك؟ وهل ما ذكره في هذه المواضع ينسجم مع ما ورد من إشارات عن المرابطين في المصادر الأخرى؟
وإن مناقشة النص السابق من خلال محاولة الإجابة على هذه التساؤلات ستُعِين في استجلاء المعنى المراد من عباراته، وتدعم في نفس الوقت ما سبق وقيل عن الهدف الرئيس من هجوم المرابطين على غانا.
فكقول ابن خلدون: "واستباحوا حماهم وبلادهم" يجب أن يُفهَم ضمن إطار ما كان المسلمون يتخذونه من خطوات قبل القيام بعملية الجهاد. والتفصيل في هذه الناحية يَخرُج بالطبع عن نطاق هذا البحث، إلا أننا نرى أنه من المفيد أن نشير هنا إلى الأمور الثلاثة التي كان يَعرِضها المسلمون على الجانب الأخر قبل الشروع في الحرب؛ حيث كان ذلك سُنَّةً في الإسلام، ففي الحديث الذي رواه "مسلم" في صحيحه ذُكرت الوصايا التي كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي بها مَن كان يؤمِّرهم على الجيوش، ومِن ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام-: ((وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلاَلٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ..)) وذَكَر النبي - عليه الصلاة والسلام - الإسلامَ ثم الجزية ثم الحرب[78]. ولما كان هدفُ المرابطين الأساسُ مِن حركتهم كان ردَّ الناس إلى الإسلام الصحيح، والعمل على نشر الإسلام، كما تبيَّن سابقًا؛ لذا فقد حَرَصوا على تطبيق السُّنَّة في عملية الجهاد، وقد ساروا في ذلك على مذهب الإمام مالك، فالبكري، وهو ممن عاصر قيام الحركة، يقول عن المرابطين: "وهم على السُّنَّة متمسكون بمذهب الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه -. وكان الذي نهج ذلك فيهم ودعا الناس إلى الرباط ودعوة الحق عبدُالله بن ياسين"[79] ويذكر ابن عذارى، في حديثه عن جهاد المرابطين في السنوات الأولى من قيام الحركة، أنه رأى كتابًا قديمًا كان قد بعث به الفقيه عبدالله بن ياسين إلى أهل الجبل الموالي لبلاد "لمتونة" يدعوهم للدخول في الإسلام وشريعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان أولئك القوم مشركين حسب ما ذكره ابن عذارى. [80] ويؤيد ذلك ما ذكره ابن أبي زرع في "الأنيس المطرب"، وهو أحد المصادر التي اعتمد عليها ابن خلدون، من أن ابن ياسين خطب في أتْباعه عند أول خروج لهم وبَيَّن أن عليهم أن يبدؤوا بالإنذار والدعوة وإبلاغ الحُجَّة قبل الشروع في الجهاد والدخول في الحرب[81].
وطبَّق المرابطون مبدأ التبليغ قبل الحرب كذلك مع البرغواطيين الذين عُدُّوا أهل كفر وضلال حسب ما أشارت إليه المصادر[82].
ولم يكتفِ المرابطون بتطبيق مبدأ الدعوة قبل الحرب في بلاد المغرب فقط، بل أخذوا به في الأندلس، فمِن ذلك أن يوسف بن تاشفين أرسل إلى "ألفونسو" يدعوه للدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب وذلك قبل معركة الزلاقة، التي حدثت سنة 479هـ / 1086م[83].
وعلى هذا الأساس فإن المرابطين لابد أن يكونوا قد ساروا في جهادهم ضد إمبراطورية غانا الوثنية حسَب السُّنَّة؛ إذ لا يوجد في المصادر ما يشير إلى أن المرابطين طبَّقوا أُسلوبًا آخرَ في جهادهم لهذه الإمبراطورية، فهُمْ يعلمون أنها تُمثِّل أمة كافرة. وإذا كان أسلافهم قد حملوا لواء الجهاد في السودان من قبلُ، فمِن البدهي أن يسير فيه المرابطون على الوجه المطلوب، وهم الذين نادوا بحركة التصحيح بعد أن ابتعدت قبائلهم عن الإسلام وتفرقت كلمتهم. وإذا كان الأمر كذلك فأبو بكر بن عمر إذًا لم يدخل بجيشه بلاد غانا وحِماها إلا بعد أن وجبت الحرب؛ فاستحل السيطرة عليها للقضاء على السلطة الوثنية، وإخضاع البلاد لحُكْم المسلمين، كما سبقت الإشارة إليه.
يذكر ابن خلدون في إشارته إلى الناحية المالية بعد فتح المرابطين لغانا، الإتاوات والجزية وذلك في قوله: "واقتضوا منهم الإتاوات والجزى". وقد يعود تفسير ذلك إلى احتمالين: الأول: أنه أورد إتاوات (جمع إتاوة) [84] كمرادف لكلمة جزى (جمع جزية) [85]، الثاني: أنه أراد التفصيل فقصد بالإتاوة ضريبة الأرض كالخراج، وبالجزية ضريبة الرأس كما ورد في كُتُب الأحكام[86]. وابن خلدون لم يكن بالطبع شاهِدَ عِيان، ولكن ليس من المتوقَّع - مع مكانة ابن خلدون العلمية وثقافته الدينية - أن لا يتوافق قصده مِن هذه المفردات مع ما ورد في كتب الفقه.
ومما يقوي وجهة النظر هذه أننا لو نظرنا إلى تاريخ حركة المرابطين من بدايته؛ لوجدنا أن مِن أبرز الأمور التي أجمع عليها المؤرخون الذين اهتموا بالكتابة عن حركة المرابطين - ومِن بينهم ابن خلدون نفسُه - رَفْضَ المرابطين أيَّ تدابير مالية لا تتوافق مع السُّنَّة من مكوسٍ وضرائبَ إضافيَّةٍ وما إلى ذلك، بل وتشدُّدَهم في هذا الأمر.
وقد رأينا البكري في نص سابق يثني على المرابطين؛ لقطْعِهم جميع المغارم[87]. وكذلك ابن عذارى لم يُغفِل هذه الناحية في إشارته إلى ما عُرِف به المرابطون مِن حرص على تطبيق السُّنَّة[88]. ويشير ابن أبي زرع إلى اهتمام عبدالله بن ياسين بمسألة الأموال، فيذْكُر أنه بعد الانتصارات التي حققها المرابطون في بلاد السوس أخرج ابن ياسين عمَّاله على نواحيها، وكان من ضمن ما ألزمهم به وشدَّد عليهم فيه أخذُ الزكاة والعشر، وإسقاطُ ما سوى ذلك من المغارم المُحدَثة[89]. والتزم المرابطون بهذه السياسة الجبائية في عهد يوسف بن تاشفين، فيذكر ابن أبي زرع أنه لم يكن في عهده طوال أيامه رسمُ مكس ولا مغارم، ولم يكن يجبي سوى ما أوجبه حُكْم الكتاب والسنة من الزكاة والأعشار وجزية أهل الذمة وأخماس غنائم المشركين[90]. ويؤكد ابن خلدون ذلك بإشارته إلى أن ابن تاشفين أنكر على أمراء الطوائف بالأندلس وجودَ المكوس والمغارم، وأنه تعهد برفع هذه المظالم، وتحرى العدل[91].
لذلك لابد لنا في تفسير العبارة السابقة لابن خلدون مِن أن ننظر إليها ضمن موقف المرابطين تُجاه الناحية المالية بوجه عام، إذ ليس من المتوقع أن يشذ المرابطون عن السُّنَّة في هذا المجال لمجرد تغيُّر المكان وقد ساروا عليها في كل جهادهم، خاصة وأن أبا بكر بن عمر، وهو الذي قاد الزحف على غانا، قد عُرف بالتقوى والورع، كما سبقت الإشارة إليه، ولم يكن في ذلك بأقل من عبدالله بن ياسين.
أما العبارة الأخيرة في النص والتي يقول فيها ابن خلدون: "وحَمَلوا كثيرًا منهم على الإسلام فدانوا به" فمن الواضح أنه لا يقصد أن المرابطين كانوا يُكرِهون الناس بالقوة على اعتناق الإسلام إذ لو أمعنا النظر في عبارات أخرى لابن خلدون شبيهةٍ بهذه العبارة؛ لتأكد لنا ذلك، فهو عندما تحدث عن تاريخ الملثمين قبل حركة المرابطين أشار إلى جهادهم ضد أمم السودان الوثنية وقال ما نصه: "وجاهدوا مَن بها مِن أمم السودان وحملوهم على الإسلام فدان به كثيرهم (هكذا في النص) واتقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم"[92]. وفي عبارة أخرى يستخدم ابنُ خلدون نفس المعنى أيِ الدخول في الجهاد ضد الفئة المخالفة، حيث يقول عن ابتداء خروج المرابطين للجهاد: "ولما كَمُل معهم ألفٌ من الرجالات قال لهم شيخهم عبدالله بن ياسين: إن ألفًا لن تُغْلَبَ من قِلَّةٍ، وقد تعيَّن علينا القيامُ بالحق، والدعاء إليه، وحَمْلُ الكافَّة عليه فاخرجوا بنا لذلك فخرجوا"[93]. فكلمة "حمل" في هذه الاستخدامات لا تعني إجبار الناس بالقوة، أو إكراههم فرادى على الدخول في الإسلام، بل تفيد مواجهة مَن يعترض طريق الإسلام، أو بمعنى آخر جهاده ومناجزته؛ حتى لا يكون سدًّا يحول دون انتشار الإسلام بَيْن مَن وراءه مِن الناس.
وأما بالنسبة لما كتبه ابن خلدون عن المرابطين في مواضع أخرى من تاريخه؛ فإنه يوجد فيه ما يبرهن بلا شك على أن ابن خلدون لا يقف موقفًا سلبيًّا منهم، فقد تحدث عن فتح المرابطين لمدينة "سجلماسة" وأشار إلى الإصلاحات التي قاموا بها في هذه المدينة بعد إخضاعها فقال: "وأصلحوا مِن أحوالها، وغيَّروا المنكرات، وأسقطوا المغارم والمكوس، واقتضوا الصدقات"[94]. وفي موضع آخر ذكر ابن خلدون أعمالَ الأمير أبي بكر بن عمر وأشار إلى جهوده في سبيل إخماد نار الفتنة التي تأجج أوارها بين قبيلتي "لمتونة" و"مسوفة"، وهما من أكبر قبائل البربر. كما أشار ابن خلدون إلى فتح هذا الأمير بابًا للجهاد في السودان لنشر الإسلام بين الوثنيين[95]. وذكر أيضًا مزية أخرى للمرابطين على جانب من الأهمية وهي اهتمامهم بأمن الرعايا وسلامتهم من ظلم واستبداد بعض الجماعات والقبائل حيث قال: "ثم صرف عَزْمَهُ (أي يوسف بن تاشفين) إلى مطالبة "مغراوة" وبني "يفرن" وقبائل "زناتة" بالمغرب، وجذب الخيل مِن أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا مِن جورهم وعَسْفهم فقد كانوا مِن ذلك على ألم"[96].
خاتمة البحث:
لقد اتضح مِن البحث أن أبا بكر بن عمر، وهو ممن قادوا حركة المرابطين في جهادها في المغرب وفي الصحراء، زحف بجيشه مِن المرابطين على غانا؛ ليزيح السلطة الوثنية مِن الحُكْم وذلك بدافع الجهاد في سبيل الله وليس بدافع مادِّيّ.
أما تفسير ابن خلدون للهجوم فقد تبيَّن أنه لم يقصد توجيه أيّ اتهام للمرابطين لا بالعدوان ولا بالطمع المادي. وابن خلدون على العموم لا يقف موقفًا سلبيًّا تُجاه المرابطين ولا تُجاه جهادهم سواء في غانا أو في غيرها.
د. سعود بن حمد الخثلان
المراجع
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] ابن أبي زرع، علي بن عبدالله، "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس"، تحرير وتعليق محمد الهاشمي الفيلالي، الرباط، المطبعة الوطنية، 1355هـ/ 1936م، ج2، ص6؛ ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد، "العبر وديوان المبتدأ والخبر"، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1391هـ/ 1971م، ج6، ص181-182.
[2] (oxford, oxford university press, 1970 ). Trimingham, j. a History of Islam in west Africa. P. 21.
[3] ابن حوقل، أبو القاسم محمد بن حوقل، "صورة الأرض"، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1979م، ص97؛ البكري، - أبو عبيد عبدالله بن عبد العزيز، "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، باريس، المكتبة الشرقية الأمريكية، 1965م، ص159؛- ابن خلدون، ج6، ص182، ويشير ابن خلدون في هذا الموضوع على الاختلاف في اسمه بقوله: كان اسمه تيزاوا بن وانشق بن بيزا، وقيل يروتان بن واستولي بن نزار.
[4] البكري، ص159؛ ابن أبي زرع، ج2، ص6-7.
[5] ابن حوقل ينقل هنا عن رجل يدعى إبراهيم بن عبدالله والذي يبدو أنه من أهل مدينة أودغست وقد قابله ابن حوقل في مدينة سجلماسة. انظر ابن حوقل، ص65-97.
[6] ابن حوقل، ص97.
[7] البكري، ص64؛ ابن زرع، ج2، ص7.
[8] ابن عذارى، أحمد بن محمد، "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب"، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الثانية، بيروت، دار الثقافة، 1400هـ 1980م، ج4، ص7-8؛ ابن أبي زرع، ج2، ص8-9؛ ابن خلدون، ج6، ص182-183.
[9] أودغست Awdaghast وكانت تقع إلى الشمال الغربي من غانا، ولتفصيل أكثر عنها انظر ابن حوقل، ص91؛ وياقوت الحموى، "معجم البلدان"، بيروت، دار إحياء التراث العرب، 1979، ج1، ص277-278.
[10] عصمت عبداللطيف دندش، "دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب أفريقيا"، 430-515هـ/ 1038-1121م، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408هـ/ 1988م. ص55.
[11] البكرى، ص159.
[12] البكرى، ص164؛ ابن أبي زرع، ج2، ص7.
[13] ابن حوقل، ص98.
[14] Levtzion, N. Ancient Ghana and Mali, (London, Methuen and Co. Ltd., 1973)P. 28.
(*) من المعروف أن صنهاجة كانت واحدة من أهم قبائل البربر وقد اعتاد الرجال من هذه القبيلة، خاصة في الجنوب من الصحراء لبس اللثام، لهذا سميت صنهاجة اللثام، كما يقال الملثمون ويقصد بهم المرابطين، انظر: البكري، ص170؛ ابن خلدون، ج6، ص181؛ أحمد مختار العبادى، "في تاريخ المغرب والأندلس"، بيروت، دار النهضة العربية، 1978م، ص269.
[15] ابن أبي زرع، ج2، ص21؛ الناصري ومحمد الناصري، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1954م، ج2، ص7.
[16] ابن عذارى، ج4، ص7؛ ابن أبي زرع، ج2، ص9.
[17] البكرى، ص164-165؛ ابن عذارى، ج4، ص8؛ ابن أبي زرع، ج2، ص8-9.
[18] Fage, J. A history of Africa, (London Hutchinson, 1979), p> 69; McCall, D. "Islamization of the Western and Central Sudan in the IIthe Century", Boston Unver-sity Papers in Africa, Vol. 5.1971, P. 7.
[19] انظر عبدالحق حمروش، "ابن تاشفين"، الدار البيضاء، دار الكتاب، د. ت.، ص42. وعن تاريخ وفاة عبدالله بن ياسين انظر ابن عذارى، ج4، ص16؛ ابن أبي زرع، ج2، ص30.
[20] انظر ابن أبي زرع، ج2، ص22-23؛ ابن خلدون، ج6، ص184.
[21] انظر على سبيل المثال: McCall, p. 12; Morales Ferias, p., "the Almoravids: some Questions Concerning the Character of the Movement During its Periods of Closest contact with the western Sudan". Bulletin de L,institut Fundamental d. Argue Noire, Vol. 29, 1967, p. 848; Levtzion, N. "the earl states of the Western Sudan to 1500", History of west Africa, edited by J. Ajani and M. Crowder, 2nd edition, (London, Longman, 1976), Vol. I, p. 123
[22] ويلاحظ هنا، وكما أشار الدكتور دندش، ص104، أن بعض المؤرخين المسلمين، أمثال ابن عذارى وابن أبي زرع والناصري، مالوا إلى إضفاء سمة الأسطورة على ملابسات عودة أبي بكر بن عمر من الصحراء إلى المغرب ومقابلته لابن عمه يوسف بن تاشفين ثم التنازل له عن السلطة في المغرب. ويرى الأستاذ حمروش، ص42، أن ما ذكره المؤرخون في هذا الصدد ليس له إلا قيمة محدودة.
[23] ابن عذارى، ج4، ص25.
[24] دندش، ص105.
[25] ابن عذارى، ج4، ص26.
[26] ابن عذارى، ج4، ص22.
[27] انظر دندش، ص155؛ Moraes Farias, p. 849
وذكر ابن أبي زرع، ج2، ص46، أن يوسف بن تاشفين بدل السكة سنة 473هـ وكتب عليها اسمه، وقد يكون الاختلاف بسبب التباين في التواريخ عند ابن أبي زرع، أو أن التغيير أحدث في الدرهم فقط.
[28] انظر محمد عبدالهادي شعيره، "المرابطون: تاريخهم السياسي"، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، 1969م ص78.
[29] انظر دندش، ص112، حيث أشار إلى هذه الناحية واقترح تعليلات لذلك في قوله: "ويبدو أن أحداث المغرب ومن بعدها جهاد المرابطين في الأندلس قد طغت على أحداث الجنوب".
[30] يشير أحد المستشرقين إلى نفس المعنى بقوله: "إن الأجواء في غانا كانت قد تهيأت للتحول إلى الإسلام وذلك من خلال التأثير السلمي على مدى فترة طويلة للمسلمين المقيمين في غانا ومع ذلك مازالت الحاجة قائمة لتدمير تلك القوة العسكرية والسياسية الوثنية في غانا والتي ظلت تقف بصلابة رافضة الإسلام. وهذا ما فعله المرابطون انظر. Levtzion, Ancient ghana and Mali, p.
[31] إبراهيم على طرخان، "إمبراطورية غانا الإسلامية"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970، ص41-44.
[32] البكرى، ص 134-141.
[33] ابن أبي دينار، محمد بن أبي القاسم الرعيني، "المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس"، تحقيق محمد شمام، تونس، المكتبة العتيقة، 1387هـ. ص98-99.
[34] ابن أبي زرع، ج2، ص17-19.
[35] ابن عذارى ج4، ص10.
[36] ابن أبي زرع، ج2، ص29.
[37] ابن أبي زرع، ج2، ص20-35.
[38] البكرى، ص164، وانظر ابن عذارى، ج4، ص10-11.
[39] ابن أبي زرع، ج2، ص92.
[40] هكذا في النص، والمعنى دور، جمع دار. انظر ابن منظور، محمد بن مكرم، "لسان العرب"، بيروت، دار صادر، د. ت، ج4، ص298.
[41] ابن أبي زرع، ج2، ص20.
[42] ابن أبي زرع، ج2، ص33.
[43] عن البرغوطيين وسبب نعتهم بهذا الاسم انظر البكري، 134-140، ابن أبي زرع، ج2، ص24-26؛ العبادى، ص278-287.
[44] انظر العبادى، ص92-93.
[45] ابن أبي زرع، ج2، ص14-15؛ ابن أبي دينار، ص106-107.
(*)ابن عذارى، ج4، 14-15.
[46] ابن عذارى، ج4، ص24-25؛ ابن أبي زرع، ج2، ص32-35؛ ابن خلدون، ج6، ص184. يعترف أحد الكتاب الغربيين بأثر شخصية أبي بكر بن عمر في وجود روح الجهاد الحقيقي لدى المرابطين في هجومهم على غانا، وما قاموا به بعد ذلك من أعمال في السودان إلا أن الكاتب يرى أن هذه الروح فقدت بعد وفاة أبي بكر بن عمر. انظر: Moraes Farias, p. 800
[47] دندش، ص115.
[48] انظر. Moraes Farias, p. 850
[49] ابن أبي زرع، ج2، ص33.
[50] ابن أبي زرع، ج2، ص35.
[51] ابن عذارى، ج4، ص26.
[52] الزهرى، محمد بن أبي بكر، كتاب الجغرافية، عن:
Corpus of Early Arabic Sources for west Afreican History, Edited by j. Hopkins and N. Levtzion, Cambridge, Cambridge University Press, 1981, p. 98.
[53] ابن خلدون، ج6، ص184.
[54] لقد بحث موضوع الآثار القريبة والبعيدة المدى لفتح المرابطين لغانا ودعوتهم في السودان الغربي في أعمال علمية تركز على فترة ما بعد الفتح منها:
1- عصمت عبداللطيف دندش، دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا 430-515هـ (1038-1121م).
2- Paulo F. De Morases Farias, "the Almoravid: some questions concerning the Character of the Movement during its Periods of Closest contact with the Western Sudan’.
والمشار إليهما أعلاه.
[55] انظر حسن أحمد محمود، الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، القاهرة، دار الفكر العربي، 1986م، ص215؛ Levtzion, Ancient Ghana and Mali, P. 186.
[56] السوننك soninke وهو فرع من الفروع الأساسية من الماندي (الماندنجو) Mandingo ويسمون أيضًا السراكولي sarakulle ولمزيد من المعلومات عنهم انظر:
Ajayi, j.f. and Crowder, M., eds., History of west Africa, Vol. I, London, Longman, 1976, pp. 15-18; Levtzion, Ancient Ghana and Mali, pp. 16-17.
[57] نعيم قداح، حضارة الإسلام وحضارة أوروبا في إفريقيا الغربية، دمشق، مكتبة أطلس، 1965م، ص68.
[58] البكرى، ص167-168.
[59] انظر الحبيب الجنحاني، المغرب الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية 3-4هـ/ 9-10م، تونس، الدار التونسية للنشر، 1978، ص178، ص193-194.
[60] انظر محمد الغربي بداية الحكم المغربي في السودان الغربي، الكويت، مؤسسة الخليج للطباعة والنشر، 1982، ص43، والذي يشير على شيء من ذلك في قوله عن حكم المرابطين: "أنه قدم للمنطقة أعمالاً جليلة ومنجزات في الميدان الاقتصادي لا سبيل إلى نكرانها".
[61] ابن أبي زرع، ج2، ص94.
[62] لقد تمت مراجعة عدد من معاجم اللغة: المخصص لابن سيده، والصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور وتاج العروس للزبيدى، والقاموس المحيط للفيروز أبادى، وذلك لضبط وتحديد معنى كلمة نفاق، إلا أن الكلمة لم توجد في هذه المعاجم بما يناسب السياق الوارد في النص. والذي يبدو لي أن ابن أبي زرع يعني بالكلمة النهابين أو السراق أو المحتالين.
[63] ابن أبي زرع، ج2، ص94.
[64] ابن خلدون، ج6، ص184.
[65] ابن عذارى، ج4، ص15.
[66] ابن عذارى، ج4، ص20، وقد جعل ذلك من أحداث سنة 463هـ (1070م)، أما ابن أبي زرع، ج2، ص32، وابن خلدون ج6، ص184، فقد جعلا ذلك في سنة 452هـ (1060م).
[67] انظر الحبيب الجنحاني، "السياسة المالية للدولة المرابطية"، المؤرخ العربي، العدد 13، 1980، ص16.
[68] لم أعثر في معاجم اللغة على كلمة بهذا اللفظ، ويحتمل أن تكون مشتقة من الامتلاء، وأوردها الإدريسي، على ما يبدو، كمرادف لكلمة مياسير.
[69] محمد بن محمد الشريف الإدريسي، "المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس"، مأخوذ من كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، ليدن، مطبعة بريل، 1968م ص66.
[70] انظر الجنحاني، "السياسة المالية للدولة المرابطية"، ص19.
[71] "القطاني" يقال هو اسم جامع للحبوب التي تطبخ مثل العدس، واللوبيا، والحمص وما شاكلها. ويقال القطاني خضر الصيف. ابن منظور، ج13، ص344-345.
[72] ابن أبي زرع، ج2، ص94.
[73] وتظهر المبالغة في الزعم باستمرار الرخاء والرفاهية وربط ذلك برخص الأسعار، إذ لا يعقل أن يدوم الرخص ويشمل كل المناطق ولا يتأثر بقلة الأمطار مثلاً، أو بكثرة الحروب في عهد يوسف بن تاشفين وحفيده تاشفين بن علي، كما أشار إلى ذلك ابن أبي زرع نفسه وغيره من المؤرخين. وعلى العموم فإن ظهور الرخاء والرفاهية ورخص الأسعار في فترات لا يخول تعميمه طيلة فترة حكمهم.
[74] الجنحاني، "السياسة المالية للدولة المرابطية"، ص16.
[75] Moreas Farias, p. 80 .
[76] انظر على سبيل المثال:
Davidson. B the Lost Cities of Africa, Boston, Little Brown and Company. 1987. P. 88; Fage. J. A History of West Africa, Cambridge University Press, 1972, p. 190
[77] ابن خلدون، ج6، ص200 .
[78] القشيري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، بيروت، دار إحياء التراث العرب، 1375هـ، ص1357، حديث رقم 1731.
[79] البكري، ص164.
[80] ابن عذارى، ج4، ص12.
[81] ابن أبي زرع، ج2، ص14.
[82] انظر ابن أبي زرع، ج2، ص 24 ؛ ابن أبي دينار ص 106.
[83] ابن عذارى، ج4، ص115.
[84] لم يرد في كل من اللسان والقاموس المحيط إتاوات كجمع لكلمة إتاوة، وإنما ورد أتاوى وأتى، انظر ابن منظور، ج14، ص 18؛ الفيروز أبادي مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، القاهرة، المطبعة المصرية ، 353هـ / 1935م، ج4، ص 297.
[85] ابن منظور ، ج14، ص 147.
[86] انظر ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، أحكام أهل الذمة، تحقيق صبحي الصالح، بيروت، دار العلم للملايين، 1983م، ج1، ص100.
[87] البكري، ص 164.
[88] ابن عذارى، ج4، ص11.
[89] ابن أبي زرع، ج2، ص22.
[90] انظر الجنحاني، "السياسة المالية للدولة المرابطية"، ص15.
[91] ابن خلدون، ج6،ص 187، وانظر أيضا ص 183من الجزء نفسه.
[92] ابن خلدون، ج6، ص181.
[93] ابن خلدون، ج6، ص 183. ويلاحظ أن إيرادنا لهذين الاستشهادين عن ابن خلدون هو لتأكيد مقصوده من كلمة حمل في النص، وإلا فهذا الاستخدام ليس غريبًا فالبكري (ص172)، على سبيل المثال، وصف جهود ملك التكرور وحرصه على تطبيق شرائع الإسلام على شعبه، فقال: "وأقام شرائع الإسلام، وحملهم عليها، وحقق بصائرهم فيها" وكل ذلك يتفق مع المعنى اللغوي لكلمة حمل فقد ورد في معاجم اللغة قولهم: وحمله على الأمر يحمله فانحمل أي أغراه به، وحمل على نفسه في السير أي جهدها فيه. انظر الفيروز أبادي، ج3، ص 361، ابن منظور، ج11، ص181.
[94] ابن خلدون، ج6، ص183.
[95] ابن خلدون، ج6، ص184.
[96] ابن خلدون، ج6، ص184.